...
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تأكيد التسجيل من خلال اللإيميل تأكيد الحساب
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تسجيل حسابك معنا إنشاء حساب
بائعة الزهور (الجزء الثاني)

فاطمة علي


لم تفق هديل من الصدمة بعد إلا وتسمع أصوات مجموعة من النساء خُيّل لها أنهن قرابة الأربع، تختلف أصواتهن وتأوهاتهن خلال التعذيب الشديد 

انخلع قلب هديل من هول ماسمعت، تداخلت الأفكار، وهاجت في رأسها العواصف يمنة ويسرة، شعرتْ بثقل رأسها، دار شريط الذكريات في مخيلتها، بدأ جسدها يترنّح حتى سقطت مغشي عليها . 

لم تفق هديل إلا بركلات جاويشة السجن ذات الجثة الضخمة، والصوت المفزع، حتى خُيّل لها أنها انتقلت للدار الأخيرة وهذه من زبانية جهنم

بدأتْ تلتقط أنفاسها رويدًا رويدًا وتلملم أشلاء روحها الضائعة .... 

تلتقط أنفاسها منزوية في إحدى زوايا السجن، تستند إلى جدرانه؛ علها تحميها من تلك المرأة.. أعادت عليها وكررت ما طلبت بالأمس، تلعثمت كلمات هديل وارتعدت حروفها وكأنها لأول مرة تتكلم ...
سبقتها دموعها ...
أمي مريضة أريد الخروج،
أبي لايعلم أين أنا، وانهارت دموعها كبركان ثائر في الأعماق،،

فما كان من تلك الأفعى إلا أن ضربتها بهراوة لديها فعادت لغيبوبتها من جديد.

هكذا توالت الأيام..
بين ضرب وإهمال، وتخويف وعزل، يتلوها ترهيب وترغيب،

وهي لم تعرف كم مضى من الأيام والشهور حتى نحلت وتغيرت ملامح جمالها كأنها كبرت عشرات السنين.
كادت أن  تفقد الأمل..

إلى أن جاء ذلك اليوم التي زارتها أمها، وقد أصبحت قضيتها قضية رأي عام، واستعانت بمحامية لها اتصال بإحدى المنظمات التي تعمل في حقوق الإنسان.. استطاعت الخروج بعد أن كادت تفقد الأمل..

تم ترحيلها الى دولة شقيقة ومن هناك، تركت الزهور وتصفيفها.. تجمع وتستعيد شتات نفسها وترتب أولوياتها.. أيقنت أنه لا بد أن تغيّر مهنتها إلى العمل على نقل معاناتها، معاناة الكثير من أمثالها، التي لا تصل أصواتهن ولا تنقل الانتهاكات التي تمارَس ضدهن لسبب أو لآخر، لتبدأ وتعمل ضد تلك الجماعات الخارجة عن القانون وتوضح للعالم جرائمها، ومايدور بين ثنايا سجونها المريبة..