
محو الأمية.. التحديات وقوة الإرادة!
✍️: أفنان الزين
عندما نتحدث عن تحقيق أحلامٍ بدت شبه مستحيلة في نظر البعض، يتبادر إلى ذهني سؤال:
هل يوجد حقًا أشخاص لا يصعب عليهم شيء في سبيل تحقيق أحلامهم؟ أم أنهم لم يواجهوا أي صعوبات تُذكر، فبلغوا غاياتهم بسلاسة؟
نعم، هناك نساء أبهرننا بإنجازاتهن، وحققن أحلامهن رغم التحديات، حتى خُيّل إلينا أن طريقهن كان خاليًا من العوائق. لكن الحقيقة أنهن أثبتن أن لا شيء مستحيل أمام إرادة قوية وتصميم لا يلين.
إنها المرأة اليمنية التي عاشت في ظروف قاسية، في زمن الجهل والحرمان، والتي حرمت من التعليم منذ طفولتها، رغم حلمها البسيط بأن تحمل حقيبة مدرسية، وترافق صديقاتها إلى المدرسة. لكن الواقع كان أقسى من الحلم، إذ أجبرتها الحياة على حمل الماء والحطب أو رعي الأغنام، لأن أسرتها لم تكن تملك حتى ثمن القلم.
بعضهن كن يتيمات، وأخريات منعتهم المسافات الوعرة، أو العادات والتقاليد التي حرمت الفتاة من أبسط حقوقها: التعليم.
ورغم كل ذلك، أثبتت المرأة اليمنية أن المستحيل يمكن أن يصبح ممكنًا. ففي مدينة مأرب، تخرّجت مجموعة من الأمهات من مركز محو الأمية، بعد مسيرة تعليمية استمرت ثلاث سنوات، تجاوزن فيها صعوبات كثيرة، لكنهن لم يتخذنها ذريعة للتوقف، بل مضين بثبات في درب الوعي.
هؤلاء الأمهات يُعدن رمزًا للنضال والإصرار، فقد أدركن أن بناء الأوطان يبدأ من العلم، وأن عليهن أولاً أن يبدأن بأنفسهن لينشئن أبناءهن تنشئة صحيحة، بعيدة عن الجهل والظلام.
تحديات في مواجهة الصعاب
إن الوطن بحاجة إلى جيل متعلم، ينهض به ويقوده نحو التقدّم، لكن هذا لن يتحقق في بلد طغى فيه الجهل، وأعشى أعين أبنائه عن نور العلم.
رأيت نساء حملن همّ الوطن على عاتقهن، فبدأن بالتغيير من داخل بيوتهن، ومن داخل أنفسهن، غير عابئات بأعمارهن. فقد ذكرت لنا
الأستاذة نجوى محمد مديرة مركز محو الأمية، أن من بينهن أمهات تجاوزن الستين من العمر.
وعلى الرغم من عدم وجود مركز خاص بهن، تنقلن بين أماكن مختلفة، بدءًا من مدرسة خاصة بأطفال المخيم، التي طُردن منها لاحقًا، إلى منازل الطالبات، حيث استمر التعليم.
وأضافت أن الفصول كانت صغيرة، وتضم قرابة 35 طالبة، ما شكّل ضغطًا كبيرًا، خاصة في فصل الصيف. ومع ذلك، واصلت الأمهات التعلم، وبعضهن كن يأتين من مناطق بعيدة، ويحضرن أطفالهن معهن رغم عدم توفر حضانة.
لكن عزيمتهن كانت أقوى من كل العقبات، وتجاوزنها بإصرار من أجل حلم بسيط: تعلّم القراءة والكتابة. ومن هنا يبدأ التغيير الحقيقي لبناء وطن خالٍ من الجهل والظلام.
برنامج يمنح الأمل
يُعد برنامج محو الأمية الأنسب للأمهات من الفئات العمرية الكبيرة، فهو يُخفف من معاناة الجهل، ويمنح وقتًا بديلًا عن الجلسات النسائية التي لا تضيف لهن شيئًا.
البرنامج يمنح فرصة جديدة للتعلم، وقد عملت المعلمات بجدٍ وإخلاص لضمان استمراره، وتقديم الدعم اللازم للمشاركات. وها هن اليوم يتخرجن بكل فخر واعتزاز، بعدما تغلبن على أكبر التحديات.
إن هذا النجاح يبرز أهمية التعليم في مختلف الأعمار، ويؤكد أن لا شيء مستحيل إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية والعزيمة الصادقة.