...
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تأكيد التسجيل من خلال اللإيميل تأكيد الحساب
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تسجيل حسابك معنا إنشاء حساب
أمهات المختطفين .. جرح مفتوح لا يندمل

أمهات وزوجات المختطفين في اليمن.. جرح مفتوح لا يندمل

 

تقرير : أمة المجيد البكري

 

في بلد أنهكته الحرب، وتعددت فيه وجوه الألم ، تتصدر معاناة أمهات المختطفين المشهد الإنساني كواحدة من أكثر القضايا ألمًا وتعقيدًا. أمهات لا يزلن في رحلة بحث طويلة وموجعة عن فلذات أكبادهن الذين غيبتهم السجون السرية والاختطاف القسري، دون تهم واضحة أو محاكمات عادلة. 

 

 

منذ اندلاع الصراع في اليمن، تصاعدت وتيرة الاختطافات بحق المدنيين، خصوصًا الناشطين والطلاب والإعلاميين. وتم تسجيل حالات متعددة من الإخفاء القسري والاعتقال خارج إطار القانون. أمهات المختطفين كنّ أولى ضحايا هذا الوضع من الناحية النفسية والاجتماعية، وتحولن إلى صوت لا يكلّ للمطالبة بالإفراج عن أبنائهن. وأصبحن حاملات لقضيتهم، يتنقلن بين السجون والجهات، يبحثن عن أثر أو خبر، حتى لو كان بسيطًا، يبدد وجع الانتظار ويكسر حاجز الصمت.

 

 

 

الوضع النفسي والاجتماعي

 

ما تعانيه الأمهات والزوجات لا يقتصر على البعد العاطفي والإنساني فحسب، بل يمتد إلى أعماق نفسية واجتماعية واقتصادية شديدة القسوة. كثير منهن يواجهن صدمة نفسية حادة، تظهر على شكل قلق دائم، اكتئاب، أرق مزمن، وانهيارات متكررة.

 بعض الأسر تواجه أيضًا وصمة اجتماعية تجعلها تعيش في عزلة، وكأنها تدفع ثمنًا إضافيًا لمأساة لا يد لها فيها.

كما أن  تفكك الأسرة هو أحد تداعيات غياب أحد أفرادها، خاصة عندما يكون المختطف هو المعيل الوحيد، مما يترك المرأة في مواجهة أعباء الحياة وحدها، ويزيد من الضغوط المعيشية والنفسية. 

إلى جانب ذلك، تتحمل النساء تكاليف مادية مرهقة أثناء متابعة قضايا ذويهن، تشمل تكاليف التنقل، والبحث، وأحيانًا دفع مبالغ لوسطاء أو جهات تدعي امتلاك معلومات أو نفوذ.

 

ورغم أن القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف، يعتبر الإخفاء القسري جريمة ضد الإنسانية عندما يتم بشكل منهجي، فإن هذا الانتهاك لا يزال يمارس على نطاق واسع في اليمن، في ظل غياب المحاسبة وتعطيل العدالة. ورغم انضمام اليمن إلى معاهدات تحظر الاعتقال التعسفي، فإن الواقع يشير إلى عدم تطبيق هذه الالتزامات أو احترامها.

 

 

شهادات الأمهات 

 

في خضم هذه الوقائع، تبرز شهادات الأمهات كنوافذ مؤلمة على معاناة مستمرة

أم محمد، البالغة من العمر 45 عامًا، تقول: "لي ست سنوات أبحث عن ابني، لا أعرف إن كان حيًا أو ميتًا. كل يوم أزور السجون، أعود مكسورة بلا جواب".

 أما أم نبيل، فتروي أن ابنها اختُطف بعد نشره منشورًا على فيسبوك، مضيفة: "منذ عامين لم أره. طرقنا كل الأبواب دون فائدة، وكل ما نطلبه أن نعرف إن كان لا يزال على قيد الحياة".

أم محمد وأم نبيل ليستا سوى قصتين ، من مئات القصص التي تمتلئ بها بيوت اليمن، حيث تتقاسم الأمهات الحزن والانتظار والأمل المعلّق

 

دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام

 

وفي ظل هذه الأوضاع، تحاول منظمات المجتمع المدني لعب دور فاعل في التخفيف من معاناة أهالي المختطفين ، من خلال رصد الانتهاكات، وتقديم الدعم النفسي والقانوني، وتنظيم حملات مناصرة داخلية وخارجية. لكن جهود هذه المنظمات كثيرًا ما تعيقها قيود أمنية، وغياب الدعم الرسمي، وشح الموارد، ما يجعل عملها محفوفًا بالتحديات والمخاطر.

 

كما تلعب وسائل الإعلام دورًا جوهريًا في إبقاء هذه القضية حيّة، إذ أن التغطية المستمرة وتسليط الضوء على المعاناة، هما السبيل الأهم لضمان عدم نسيان هذه الأصوات المقهورة. كما أن المجتمع بكل مكوناته، مدعو للوقوف بجانب النساء من ذوي المختطفين والتضامن معهن، وتبني مطالبهن كجزء من معركة أوسع من أجل العدالة وحقوق الإنسان.

 

 

وسط هذه المأساة الممتدة ، يبرز مطلب الأمهات الأساسي والمشروع : الكشف عن مصير أبنائهن، ووقف سياسة الإخفاء القسري التي تمارس خارج إطار القانون والعدالة. كما تطالب الأمهات والمناصرون لقضيتهن بضرورة محاسبة المتورطين في جرائم الاختطاف، وتقديمهم للعدالة، جنبًا إلى جنب مع توفير دعم شامل ومستدام لأسر الضحايا، يخفف من وطأة ما يواجهونه يوميًا من أعباء نفسية ومعيشية.

 

 

إن قضية أمهات وزوجات المختطفين  ليست أزمة عابرة ولا مأساة مؤقتة، بل جرح إنساني نازف في الضمير الجمعي للمجتمع والدولة. ورغم هذا الكم الهائل من الألم، لا تزال هؤلاء النسوة متمسكات بالأمل، يرفعن صور ذويهن في الوقفات الاحتجاجية، ويواصلن نضالهن بكبرياء لا ينكسر، رافضات للصمت، ومُصرّات على ألا يتحول ذووهن إلى مجرد أرقام في قوائم النسيان. إن أصوات النساء يجب أن تبقى حيّة ومسموعة، حتى يتحقق العدل وتعود البسمة إلى وجوه أنهكها الغياب وأطال عليها الحزن مقامه.