
العيد في اليمن.. فرحة تتحدى الألم وتقاليد تروي حكايات الأصالة
تقرير: أمة العزيز السريحي
في اليمن، حيث يمتزج الماضي بالحاضر، و تنبض الأرض بروح الأجداد، يأتي العيد ليمنح للحياة بهجتها المتجددة، فيعيد تشكيل ملامح الأمل وسط تحديات الزمن.
إنه العيد الذي يثبت، عاماً بعد عام، أن اليمنيين قادرون على الاحتفال رغم كل الظروف، وأن الفرحة بالنسبة لهم ليست رفاهية، بل مقاومة، وأمل لا يموت.
ليلة العيد.. الطقوس الأولى للفرح
لا ينتظر اليمنيون شروق الشمس لبدء احتفالات العيد، بل تبدأ المراسم منذ ليلة العيد، حين تتحول الشوارع إلى مساحات مفتوحة للفرح، وتمتلئ الأحياء بصخب الأطفال الذين يشعلون النيران ويرقصون حولها، مرددين الأهازيج الشعبية التي تعكس موروثهم الثقافي العريق. هذا التقليد القديم، الذي توارثته الأجيال، هو أكثر من مجرد طقس احتفالي، بل هو إعلان مسبق بأن الفرح آتٍ، وأن العيد قد بدأ حتى قبل أن يولد فجره.
في المنازل، تكون النساء في سباق مع الوقت، يضعن اللمسات الأخيرة على تجهيز المنزل لاستقبال الضيوف غدا.
فجر العيد.. حيث تمتزج الروحانية بالفرح
مع أولى خيوط الفجر، وبينما تتعالى أصوات تكبيرات العيد من المساجد، يبدأ يومٌ مميز بكل تفاصيله. الأطفال، ببراءتهم، يتسابقون لارتداء ملابس العيد الجديدة، تلك الملابس التي لا تعني مجرد ثيابٍ جديدة، بل هي رمزٌ لفرحة طال انتظارها، وتأكيد على أن العيد لا يكتمل إلا حين ترتسم البهجة على وجوههم.
صلاة العيد.. حين تصافح الأرواح الصفاء
مع توافد الناس إلى الساحات المفتوحة أو "الجبانة"، حيث تُقام صلاة العيد، يصبح المكان أكثر من مجرد ساحة للصلاة، بل ملتقى للأحبة، ومساحة للتسامح، حيث تتلاشى الخلافات، وتتصافح القلوب قبل الأيادي.
التكبيرات تملأ الأجواء، وفي لحظة واحدة، يبدو أن كل شيء قد توقف ليمنح الناس فرصة للشعور بالسلام.
ومن العادات الجميلة التي تميز العيد في اليمن، أن هذه المناسبة تكون فرصة لإنهاء القطيعة بين المتخاصمين، فالعيد لا يكتمل إلا بقلوب صافية، حيث يتصافح الأعداء، ويتسامح المتباعدون، وكأن روح العيد تتجلى في قدرتها على تطهير النفوس وإعادة اللحمة بين القلوب.
مجلس الضيافة.. حيث تتجسد روح العيد
بعد العودة إلى المنازل، يتحول مجلس الضيافة إلى مركز الاحتفال، حيث يجتمع أفراد العائلة لاستقبال الضيوف. في هذه المجالس، تُقدم جعالة العيد من الحلويات والمكسرات، وتُسكب القهوة اليمنية الشهيرة، وتمتلئ الأجواء بروائح البخور والعطور .
لكن هناك تفصيلٌ لا يغيب عن أي بيت يمني
أغنية "انستنا يا عيد"، التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الاحتفالية. فبمجرد أن تبدأ نغماتها، يتردد صداها في أرجاء المنزل، وكأنها النشيد الرسمي للفرح، إعلانٌ موسيقي بأن العيد قد حلّ بكل ما يحمله من دفء وأمل.
زيارة الأهل والقبور.. صلة لا تنقطع
في هذا اليوم، تصبح البيوت محطات للزيارات المتبادلة، حيث يحرص اليمنيون على زيارة أقاربهم، وتقديم "عسب العيد" للأطفال، والنساء وهو مبلغ نقدي يُمنح ليشعروا بفرحة العيد الكاملة. أما الكبار، فيأخذون من هذه الزيارات فرصة لتعزيز أواصر القربى، واستعادة ذكريات الأعياد الماضية.
كما أن زيارة القبور تعدّ من العادات التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني، حيث يتوجه البعض إلى المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح من فقدوهم، في لفتة وفاءٍ تذكرهم بأن الأحباب وإن غابوا بالجسد، فإن أرواحهم تظل حاضرة في تفاصيل العيد.
فرحة رغم الألم.. العيد بهجة وأمل
ورغم قسوة الظروف التي يعيشها اليمنيون، إلا أن العيد يبقى نافذةً للأمل، خاصة للأطفال الذين يجدون فيه لحظة نادرة من الفرح وسط كل التحديات. صحيح أن أعداد المحتفلين قد تقلّصت، وأن التجمعات باتت أصغر، لكن روح العيد تبقى كما هي، نابضة بالحياة، تتجدد مع كل ابتسامة طفل، ومع كل مصافحة صلح، ومع كل دعوة قلبية صادقة بأن يكون المستقبل أكثر إشراقًا.
إن العيد في اليمن ليس مجرد يوم، بل هو قصة تُروى كل عام.. وجوهٌ تبتسم رغم الألم، وعاداتٌ تتحدى الزمن، وكأنها تؤكد أن الفرح، كالحياة، لا يُهزم أبدًا.