
الرقية الشرعية .. علاج روحي أم استغلال؟
تقرير :أفنان السريحي
شهدت السنوات الأخيرة إقبالا واسعًا على مراكز الرقية الشرعية، خصوصًا بين النساء، حيث أصبحت خيارًا يلجأن إليه بحثًا عن الراحة النفسية والجسدية وعلاج الأعراض التي تُنسب أحيانًا إلى العين، الحسد أو المس. فبسبب الحرب والظروف الاقتصادية وارتفاع كلفة العلاج في المستشفيات وقلة الوعي الصحي , لايزال الكثيرون يلجؤون إلى العلاجات الروحية ، لكن حصول الكثير من التجاوزات والانحرافات جعلتها مثار جدل، خاصة مع استغلال بعض الرقاة لحاجة النساء، وابتعاد البعض عن الضوابط الشرعية السليمة.
قصص استغلال تحت غطاء الرقية
انتشرت العديد من القصص عن ممارسات غير أخلاقية يقوم بها بعض الرقاة، تتراوح بين التحرش، طلب مبالغ مالية باهظة، وصولًا إلى العنف الجسدي بحجة "إخراج الجان". وأثارت هذه الانتهاكات موجة استياء واسعة، ما دفع البعض للمطالبة بفرض رقابة مشددة على هذه المهنة، ومحاسبة المتورطين في استغلال المرضى.
"ع.م"، إحدى ضحايا الرقاة، تروي تجربتها قائلة:
"كنت أعاني من مشكلات زوجية متكررة، واقترحت عليّ إحدى صديقاتي الذهاب إلى راقٍ شرعي، فقد يكون السبب سحرًا أو عينًا. تحمست للفكرة وذهبت إلى الشيخ الذي أكد لي أنني مصابة بسحر للتفريق بيني وبين زوجي، وأن علاجي يحتاج إلى جلسات متكررة."
وأضافت:
"في البداية، كانت الجلسات تقتصر على قراءة القرآن، لكن لاحقًا بدأ الشيخ يتحرش بي بحجة العلاج. شعرت بالخوف ولم أرغب في الاستمرار، إلا أن زوجي أصرّ على أن أكمل الجلسات. ومع مرور الوقت، زاد الشيخ في تماديه، وعندما قاومته، لجأ إلى العنف والصعق الكهربائي مدعيًا أن الجني بداخلي هو من يقاوم العلاج، وللأسف، صدّقه الجميع."
هذه القصة ليست سوى واحدة من بين عشرات القصص التي تكشف حجم الاستغلال في ظل غياب الرقابة والتشريعات التي تنظّم عمل الرقاة الشرعيين.
رأي الشرع والعلم في الرقية الحديثة
الشيخ محمد الوقشي صرّح لمنصة "المرأة تتحدث" بأن العديد من الممارسات الحالية للرقية الشرعية لا تستند إلى أسس دينية صحيحة، واصفًا إياها بأنها "خرافة". وطالب بإغلاق أماكن الرقية غير المرخصة، لما تتضمنه من أساليب غير شرعية تستغل معاناة الناس. وأكد أن الرقية الحقيقية تكمن في أن يرقي الإنسان نفسه بالقرآن الكريم والأدعية الصحيحة، دون الحاجة إلى وسيط.
أما الناشط عبدالرحمن النويرة، فقد أكد أن الصورة الحالية للرقية لم تكن موجودة في عهد النبي محمد ﷺ أو الصحابة، مشيرًا إلى أن بعض الرقاة يستغلون هذه الممارسة لتحقيق مكاسب مالية بطرق غير مشروعة. وأوضح أن العديد من الحالات التي تُشخص على أنها "مس" أو "سحر"، ما هي إلا اضطرابات نفسية أو عصبية تحتاج إلى تشخيص طبي دقيق. كما أعلن عن "تحدٍّ مفتوح" باستعداده لدفع 5 ملايين ريال لأي شخص يثبت قدرته على إيذائه بالسحر، مشددًا على أن العامل النفسي يلعب دورًا رئيسيًا في صحة الإنسان.
الرقية بين العلاج الروحي والتشخيص الخاطئ
من جهتها، أكدت الدكتورة زمزم أبو حاتم، أن الاعتماد على الرقية الشرعية وحدها قد يؤخر حصول المرضى على العلاج الفعّال. وأوضحت أن العديد من الحالات التي تعاني من اضطرابات نفسية يتم تشخيصها خطأ على أنها نتيجة سحر أو مس، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلاً من علاجها. وشددت على ضرورة التوجه إلى المختصين في الطب النفسي للحصول على تشخيص علمي دقيق بدلاً من اللجوء إلى ممارسات غير مضمونة النتائج.
الرقابة والتوعية.. حلول للحد من الاستغلال
لمحاربة الاستغلال المرتبط بالرقية الشرعية، لا بد من تكاتف الجهود بين الجهات الرسمية والمجتمع، بدءًا من نشر التوعية الدينية الصحيحة حول ضوابط الرقية، وصولًا إلى سنّ قوانين تحمي المرضى من الاحتيال والتجاوزات.
وبين العلاج الروحي والعلم الحديث، يبقى وعي الأفراد هو الدرع الأول لحمايتهم من الوقوع ضحية للاستغلال تحت مسمى "الرقية الشرعية".